السابع من أكتوبر… حين أعادت غزة فلسطين إلى الواجهة
English version here»
مرّ عامان على السابع من أكتوبر عام 2023، اليوم الذي تمكّن فيه سكان قطاع غزة — أكبر سجن مفتوح في العالم — من كسر الحصار وتحطيم جدار الفصل العنصري الذي يفصلهم عن قراهم ومدنهم، فعبروا إليها. القرى التي هُجّر منها أجدادهم خلال نكبة عام 1948 إلى قطاع غزة الصغير، الذي لا تتجاوز مساحته 1.3٪ من مساحة فلسطين التاريخية، ليصبح لاحقًا موطنًا مؤقتًا لنحو 2.3 مليون لاجئ من جنوب البلاد.
بعيدًا عن البروباغندا الصهيونية، وانطلاقًا من معاناة أصحاب الأرض الواقعين تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعة وسبعين عامًا، يمكن تناول هذا الحدث من زاويتين منفصلتين. من جهة، كحدث قائم بذاته، فقد رسم مشهدًا كسرت فيه المقاومة الفلسطينية منظومة القوانين والقيود التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، ولا سيما على قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007.
أما في سياقه التاريخي، فقد شكّل هذا الحدث نقطة تحوّل جيوسياسية في مسار القضية الفلسطينية، التي تمتد جذورها إلى أكثر من سبعة وسبعين عامًا من الاحتلال والمعاناة المستمرة. لقد فتح السابع من أكتوبر فصلًا جديدًا في هذا النضال، ووضع فلسطين وحريتها في إطار لا يتجزأ من حركة التحرر الأممية ضد الاستعمار والإمبريالية.
السابع من أكتوبر لم يأت من فراغ!
قبل السابع من أكتوبر كانت فلسطين تعاني من القتل والحصار والاحتلال. غزة محاصَرة منذ أكثر من 17 عامًا، تُمنع عنها أبسط مقومات الحياة — من الكهرباء والوقود إلى الدواء والغذاء — وما يدخل هو ما يسمح به ويحدده الاحتلال. فيما يواجه سكانها قيودًا خانقة على الحركة والعمل والعلاج.
في الضفة الغربية، المشهد لا يقل قسوة. عمليات اقتحام يومية، قتل ميداني، مصادرة أراضٍ وبناء مستوطنات جديدة على القرى الفلسطينية. تمارس قوات الاحتلال سياسة ممنهجة من التهويد والضم التدريجي للأرض، إقامة بوابات فصل ونقاط تفتيش في محاولة لفرض واقع استيطاني دائم يقطع أوصال الجغرافيا الفلسطينية ويمزّق نسيجها الاجتماعي.
قضية الأسرى شرارة السابع من أكتوبر
تُعدّ قضية الأسرى من أكثر القضايا إيلامًا للشعب الفلسطيني، إذ تمثل رمزًا للظلم المستمر والسياسات القمعية التي تمارسها سلطات الاحتلال منذ عقود. ومع تزايد الاعتقالات التعسفيّة وسوء المعاملة داخل السجون، تصاعد الغضب الشعبي في الأراضي الفلسطينية. حتى السابع من أكتوبر، كان أكثر من 5,200 أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، من بينهم ما يزيد على 1,300 معتقل إداري محتجزين دون تهم أو محاكمات.
تلك السجون شاهدة على معاناة لا توصف — تعذيب وحشي، حرمان، إهمال طبي، وعقوبات جماعية — تُمارس فيها سياسات ممنهجة تُجرِّد الأسير من أدنى حقوقه وإنسانيته. حديثًا انكشف وجه البربرية الإسرائيلية على حقيقته للرأي العام الغربي حين هاجم جيش الاحتلال أسطول الصمود العالمي، واختطف المشاركين فيه واعتقلهم في أقسى الظروف وأحطّها إنسانيًا. أغلب المشاركين يتمتعون بجوازات سفر أجنبية، مما يطرح السؤال: ما مصير الفلسطيني الذي لا يملك حماية دبلوماسية أو صوتًا في الإعلام الغربي في السجون الإسرائيلية الظلامية؟ إذا كان هذا ما يفعله الاحتلال تحت أنظار العالم، فكيف تكون ممارساته في الظل، بعيدًا عن الكاميرات؟ تشير الإحصاءات الحديثة إلى استشهاد 78 أسيرًا في سجون الاحتلال منذ السابع من أكتوبر، نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي المتعمد.
السابع من أكتوبر: انفجار في وجه التطبيع
كلّ ذلك يجري في ظل واقع إقليمي تتسابق فيه الأنظمة العربية الرجعية إلى تمرير صفقات التطبيع مع الكيان الصهيوني، في محاولة لطمس القضية الفلسطينية نهائيًا. هي تستغل أوضاع شعوبها المنهكة والمكبّلة اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، بفعل سياستها الجائرة، لتأمين مصالحها ومصالح الاحتلال في آنٍ واحد.
فمن جهة، تُشكل هذه الأنظمة أدوات لحماية أمن ومصالح الكيان الصهيوني، ومن جهةٍ أخرى تعمل على خنق شعوبها داخليًا، بما يُنتج نسيجًا اجتماعيًا متماهياً ومتوافقًا مع السياسات الصهيونية في المنطقة، ويسهم في تثبيت نفوذ الاحتلال وشرعيته عبر التطبيع.
السابع من أكتوبر: صرخة وجود
السابع من أكتوبر لم يأت من فراغ، بل كان انفجارًا حتميًا نتيجة تراكم عقود من القتل، القهر، الذلّ، الاحتلال، الاستيطان، التهجير، الفصل العنصري والحصار. جاء كصرخة رفض للواقع الذي فرضته قوى الاستعمار وأدواته الرجعية في المنطقة؛ صرخة تقول إنّ الشعب الفلسطيني موجود ولا يقبل بالهزيمة أو الذلّ، حتى لو كان الثمن باهظًا جدًا. هذا الواقع ذاته أصبح مرضًا يجب كسره مهما كانت التضحيات، حرصًا على بقاء الوطن والقضية. جاء السابع من أكتوبر ليؤكد أن الحياة بلا كرامة هي الفناء الحقيقي، وأتى كفعل عنيف يثبت أن الهوية والكرامة فوق كل اعتبار.
الإبادة أداة لِتركيع المقاومة
نعم، التضحيات كانت كبيرة! شكّل هذا الحدث بدايةً لإبادة جماعية تُرتكب بحق شعب بأكمله داخل قطاع محاصر. في 14 أكتوبر 2025، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة ارتفاع حصيلة الضحايا منذ السابع من أكتوبر إلى 67,913 شهيدًا و170,134 مصابًا.
هذه الإبادة تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي، لكنها ما كانت لتستمر لولا الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي الذي تتلقّاه من القوى الإمبريالية الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وألمانيا، فضلًا عن أدواتها في المنطقة من الأنظمة العربية الرجعية المطبّعة.
عبر الإبادة يحاول الكيان الصهيوني تركيع المقاومة. فمنذ السابع من أكتوبر، لم تكتفِ آلة الاحتلال بالقصف العسكري أو بالمواجهة الميدانية، بل تبنّت سياسة الأرض المحروقة، فحوّلت قطاع غزة إلى ساحة دمار شامل، تُستهدف فيها المنازل والمستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين، وكل ما يرمز إلى الحياة.
هذه ليست حربًا بل إبادة ضد شعب كامل، هدفها تحطيم البنية الاجتماعية، وكسر الإرادة الجماعية، واقتلاع فكرة المقاومة من جذورها. الكيان الإسرائيلي لا يحارب بالسلاح فقط، بل بالقتل الوحشي أيضًا، بالمجاعة، بالعطش، بالحرمان، والتحريض الممنهج الذي يصوّر الفلسطيني كتهديد وجودي يجب محوه.
لكن ما فشل الاحتلال في إدراكه هو أن الإبادة لا تولّد الاستسلام، بل الوعي والذاكرة والغضب. فكل بيتٍ مهدّم، وكل أمٍّ ثكلى، وكل طفلٍ ناجٍ من تحت الركام، يصبح شاهدًا حيًا على الجريمة، وبذرة جديدة للمقاومة القادمة. إن ما يجري في غزة ليس فقط محاولة لإخضاع المقاومة الفلسطينية، بل معركة وجود بين مشروعين: مشروع استعماري استيطاني امبريالي يسعى لمحو شعب، ومشروع إنساني تحرّري يقاتل من أجل الحياة والكرامة والحرية.
ولهذا، فالإبادة ليست نهاية المقاومة — بل وقودها الأبدي.
بينما يعمل الاحتلال على تركيع المقاومة في غزة، تسعى الأنظمة الغربية الداعمة للإبادة إلى شيطنتها. منذ عامين، لم تمرّ تغطية إعلامية غربية دون عبارة جاهزة: «لكن حماس» أو «هل تدين حماس» — كأنها لازمة للمشاركة في أي حديث عن الفلسطينيين أو عن قطاع غزة. هذه العبارة باتت بمثابة بطاقة عضوية في منظومة التبرير: من لا يردّدها لا ينجح في اختبار لجان الاتهام بـ«معاداة السامية». ويا لسخرية القدر، ففي كل دولة أو مدينة أوروبية، ومنذ ديسمبر 2020، أُسست لجان تراقب ما يُسمّى بـ«تعديات معاداة السامية»! لجان تعمل، تحت هذه الحجج، على نشر الدعاية الصهيونية عبر طمس الرواية الفلسطينية، وتحريف التاريخ الفلسطيني، وملاحقة وتشويه صورة كل متضامن مع القضية الفلسطينية ورافض للاحتلال الاستيطاني ونظام الفصل العنصري.
نعم، السابع من أكتوبر كان بداية الكثير!
السابع من أكتوبر كان حدثًا كاشفًا أعاد تشكيل الوعي العالمي. لم تكن تلك اللحظة صرخة وجود في وجه الذلّ فحسب، بل كانت أيضًا لحظة سقطت فيها الأقنعة وانكشف معها زيف العدالة المزعومة.
القضية الفلسطينية إلى الواجهة
هذا الحدث أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة كقضية عالمية وأممية. لم تعد القضية مجرد قضية الفلسطينيين أو العرب وحدهم، بل بدأنا نرى التضامن الدولي تجاه فلسطين يتبلور بوضوح. المظاهرات الداعمة اجتاحت مدن ودول العالم دون استثناء، من نيويورك ولندن وساو باولو ومدريد وبرلين وباريس وصولًا إلى سول.
المناضلون والنخب العالمية الأكاديمية والفنية وضعوا فلسطين في مقدمة نضالا تهم، مطالبين بالحرية والكرامة للشعب الفلسطيني. تشكلت مجموعات واتحادات طلابية لنصرة القضية، وتحالفت النقابات العمالية، ونُظمت مظاهرات كبيرة وأيام غضب وإضرابات عامة نصرة لفلسطين. أصبحت فلسطين مجددًا رمزًا للمقاومة والحرية والتحرر من الاستعمار، ووسيلة لتحدي النظام الدولي الاستعماري المتواطئ مع الإبادة والاحتلال.
سقوط ديمقراطية الغرب وفضح ازدواجية المعايير
تحت شعار “حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها” استبيحت غزة، دُمِّرت أحياء كاملة، محيت عن الوجود، وارتكبت مجازر لا يمكن إحصاؤها عائلات. هنا انكشفت ازدواجية المعايير بأوضح صورها: دمٌ غربيّ مقدس، ودمٌ فلسطينيّ رخيص.
أسقطت غزة الرواية الأخلاقية للغرب الاستعماري الذي يدّعي الإنسانية، ويبرّر الإبادة الجماعية، ويتغاضى عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. يتم استخدام مفهوم الدفاع عن النفس لتشريع المجازر وتحويل الضحية إلى متهم — تهمة الإرهاب — التهمة جاهزة في المفهوم الاستعماري الغربي على العرب.
فضحت غزة العنصرية البنيوية في الديمقراطية الغربية، التي ترتكز على تفوق عرقي أبيض، وتقر بإنسانية الآخر فقط إذا كان يشبهها في اللون والثقافة والمصلحة. ولا يخفى دور وسائل الإعلام الغربية، المنحازة في أغلبها للرواية الصهيونية، و المتبنية للبروباغندا كما هي؛ فقد ساهم هذا الإعلام بشكل كبير في تضليل الرأي العام، وشيطنة كل ما يتعلق بفلسطين و مقاومتها.
حرية التعبير المقموعة والديكتاتورية المقنّعة
الأنظمة الغربية الاستعمارية، التي تتبجّح بحرية التعبير، أظهرت وجهها الاستبدادي حين خرجت الأصوات الحرة تتضامن مع غزة. قُمعت مظاهرات، أُسكتت الأصوات، جرت اعتقالات، أُغلقت منابر الإعلام، وطُرد صحافيون من عملهم، وتم ترحيل مناضلين فلسطينيين. أيقظت غزة الديكتاتور النائم في هذه الأنظمة وفضحت منظومة مفاهيمهم الكاذبة.
تتوقف ديمقراطية الغرب عند حدود مصالحه. فعندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني، تختفي شعارات الحرية وحقوق الإنسان. الغرب يرى في هذا الكيان أداةً لحماية أمنه ومصالحه الاقتصادية والسياسية ونفوذه في المنطقة، لذلك يمنحه غطاءً سياسيًا وإعلاميًا، فيما تُلاحق الأصوات المتضامنة مع فلسطين تحت ذريعة “معاداة السامية”، الإرهاب أو محرّض على الفتنة، إلخ.
فضح الأنظمة العربية وتعرية العجز المزمن
كشفت الإبادة تورّط ومشاركة الأنظمة العربية في الجريمة نفسها. صمت رسمي خانق، وخطابات ساقطة لا تتجاوز لغة التنديد، بينما مكنة الإبادة لا تتوقف. تلاحق أجهزة مخابرات هذه الأنظمة شعوبها، وتقمع أي شرارة تحرك دعمًا لفلسطين. أنظمة تدّعي نصرة القضية الفلسطينية، لكنها تضع يدها بيد الطاغية و تتواطأ مع عدو الأمة ضد أهل الأرض. تتبنى الأنظمة الرجعية العربية الخائنة الرواية الصهيونية، وتعمل ليلاً ونهارًا على شيطنة المقاومة الفلسطينية وإضعافها بما يخدم الاحتلال.
انهيار الصورة الأخلاقية للكيان الصهيوني
الكيان الصهيوني، المزعوم كـ”الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، سقط أخلاقيًا، وسقطت معه الرواية التي فرضها على العالم لعقود. لقد أظهرت المقاومة وجه الكيان الصهيوني الحقيقي: كيان استعماري استيطاني، استبدادي وعنصري.
آلة القتل والدمار الوحشي عرّت الاحتلال، فلم يعد هذا الكيان يُرى كضحية، بل كجلاد يقتل بلا رحمة. الصهيونية، بحماية الغرب الاستعماري، أصبحت تُرى كتهديد شامل للبشرية و الإنسانية، والمنظومة الأخلاقية العالمية.
العزلة الدولية والتمرد الشعبي العالمي
في خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خرج عشرات الدبلوماسيين من القاعة احتجاجًا على خطاباته المهاجمة والاستهانة بمعاناة غزة. كما أن مقاعد العديد من الدول غُيّرت إلى تمثيل منخفض المستوى أو تركت شاغرة، في مؤشر على رفض المشاركة الرسمية الكاملة في هذا المشهد الدبلوماسي. هذه إشارة قوية إلى أن الكيان الإسرائيلي يتجه نحو العزل الدولي، وهي رسالة واضحة: “أنت غير مرحب بك هنا بهذا الشكل.”
تشير تقارير متعددة إلى أن “إسرائيل” باتت تعامل كـ”منبوذة” على الساحة الدولية. وسبق أن أقرّ نتنياهو مؤخرًا أنّها تواجه عزلة دبلوماسية واقتصادية، ودعا إلى استثمارات مكثفة في “عمليات النفوذ الإعلامي” لمواجهة هذه العزلة.
بعد السابع من أكتوبر، لم تعد غزة تقاتل وحدها، بل بدأ العالم يشهد صراعًا ضد الظلم. في شوارع العالم، خرجت المظاهرات، ورفع الطلاب شعارات الرفض أمام جامعاتهم، وانسحب الفنانون من مسارح ومهرجانات تتعاون مع آلة الاحتلال. كما وسعت المؤسسات رقعة المقاطعات الاقتصادية، لتقول بصوت واحد: الاحتلال لا يستحق غطاءً شرعيًا ولا دعمًا اقتصاديًا.
بهذه التحركات الشعبية، أثبتت الشعوب أن الكيان الصهيوني لم يعد محصنًا، وأن أي دعم رسمي له سيواجه بعزل أخلاقي وثقافي وشعبي.
تعرية المجتمع الدولي وانهيار منظومته الأخلاقية
الإبادة كشفت المنظومة الدولية بأكملها. الأمم المتحدة صامتة، مجلس الأمن عاجز، والمحاكم الدولية بلا أثر. العالم شاهد على الإبادة لكنه لم يحرك ساكنًا، لأن النظام الدولي ذاته خاضع لإرادة القوى العظمى. لقد تبين أن هذه المفاهيم مجرد أدوات انتقائية، تُستخدم حين تخدم المصالح الغربية، وتُلغى حين تتعلق بفلسطين. وهكذا، انكشف أن المجتمع الدولي لا يملك ضميرًا، وأن منظومته القانونية لا تحمي الإنسان، بل تحمي الأقوياء و مصالحهم.
غزة تتصدى للحصار… والعالم أيضًا
في الخلاصة، السابع من أكتوبر ليس مجرّد تاريخ، بل هو بوابة لتحوّل تاريخي؛ يوم تحررت فيه الكرامة من قيود الذلّ والحصار. كسرت غزة الحصار، وأعلنت أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع. في ذلك اليوم، عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة لتصبح بوصلة الأحرار حول العالم.
واليوم، بعد عامين، توقظ فلسطين الوعي الإنساني. فكما كسرت غزة الحصار في السابع من أكتوبر، ها هي اليوم إرادة الأحرار تكسره مجددًا، في كل بقعة يقف فيها مناضلون من مختلف الدول رفضًا للظلم، وصوتًا للحق، مطالبين بالحرية لفلسطين و مستعدين للمخاطرة بامتيازاتهم وحياتهم من أجل هذه القضية النبيلة.
أن فلسطين تسكن ضمير العالم، وأن غزة تحوّلت من معسكر اعتقال محاصر إلى رمز عالمي للتحرر.
لا للوصاية ولا لنزع السلاح: وحدة المقاومة خيارنا
نظريًّا، توقَّف إطلاق النار في غزة، لكن فعليًّا لم يتوقّف التجويع، ولا الحصار، ولا الفوضى الأمنية. بمعنى آخر، الإبادة لم تتوقف. — عقدت اتفاقيات، اجتمع زعماء الأنظمة الإبادة الإمبريالية مع أدواتها الرجعية في المنطقة؛ أنظمة حرصت الولايات المتحدة على وجودها لتوفّر غطاءً عربيًا وإسلاميًا زائفًا يشرعن مخططها بأولوية الوصاية وسحق المقاومة. اجتمعوا في القاهرة ليحتفلوا بما أسموه «سلامًا» — سلام وُلد فوق جماجم الأبرياء وفوق أنقاض شعب محاصر يباد.
بغضّ النظر عن مسار هذه الاتفاق، لا ينبغي أن يُقرأ بعين الارتياح؛ فهو يحمل في طياته مخاطر استعمارية جديدة، ويشكّل محاولة لفرض الوصاية السياسية على الشعب الفلسطيني. فبعد أن عجزت القوى الإمبريالية — عبر أداتها العضوية، الكيان الصهيوني — عن نزع سلاح المقاومة ميدانيًا، تسعى اليوم إلى تحقيق ذلك سياسيًا، من خلال اتفاقيات تُصاغ لطمس القضية، وتجريد المقاومة من سلاحها، وتوسيع دائرة التطبيع مع الأنظمة الرجعية التابعة لها في المنطقة.
هذه المخططات ليست سوى امتداد لمشاريع استعمارية قديمة، تهدف لإذلال الشعوب وإخضاعها، لكن وهم نزع سلاح المقاومة وفرض الوصاية ميت قبل أن يولد. مقاومة أنجزت السابع من أكتوبر وشعب قدم تضحيات جسامًا ولم يفرّط في أرضه أو عزيمته، حتمًا سوف يسقطوا هذه المشاريع.
الآن هو وقت الوحدة المطلقة لكل قوى المقاومة الوطنية في فلسطين والمنطقة! توحيد الصفوف، رفع راية الكفاح، وصوت واحد ضد هذه الهجمة الإمبريالية الاستعمارية الشرسة، هو الطريق لحماية فلسطين ومستقبلها الثوري.
فشلت كلّ محاولات طمس القضية الفلسطينية، السابع من أكتوبر أيقظ الوعي العالمي من سباته. غزة اليوم القلب رمز الصمود و المقاومة. رسم K-Lám



